
الخلفية:
لا يختلف اثنان على أهمية حرية التعبير وتوفير فضاءات مفتوحة تتسع لجميع وجهات النظر. فحرية التعبير ركيزة أساسية من ركائز الديمقراطية وهي الديناميكية التي تُمكِّن من تفعيلها (الديمقراطية) من خلال تحسين الجمهور فيما يتعلق بالأمور العامة، ماضيها، حاضرها، ومستقبلها، وما ظهر منها وما خفي.
وبما أنه ينبغي أن تكون العملية الديمقراطية مبنية على انتخاب القاعدة الشعبية من يسيرون أمورهم (نظريا)، فإن وجود حوار وطني يتناول جميع أمور المجتمع، وأداء ومدى كفاءة الذين يشغلون المناصب العمومية، يتسع لجميع وجهات النظر-أي حرية التعبير بعبارة أخرى- هو المحرك الذي يدفع عجلتها (الديمقراطية). فحرية التعبير ليست مجرد هدف نبيل، وإنما هي القاعدة التي تقوم عليها أسس الديمقراطية الصحية، وتفشل فشلا ذريعا في غياب الحد الأدنى منها (حرية التعبير). فحرية التعبير هي أم جميع الحريات الأخرى، والتي لا يمكن أن تتحقق بدونها، وعلى رأسها حرية الصحافة.
فحرية التعبير هي أم جميع الحريات الأخرى، والتي لا يمكن أن تتحقق بدونها، وعلى رأسها حرية الصحافة.
الازمة الصامتة:
حرية التعبير تبقى محدودة، بل قد تكون معدومة تماما في غياب فرص حقيقية ومتساوية للولوج إلى المواقع الإعلامية. فهذه المواقع تمثل حلقة وصل بين المعبِّرين عن آرائهم من كتَّاب ومفكرين ومهنيين وخبراء من ناحية، والجمهور الذي توجه إليه هذه الآراء ووجهات النظر من ناحيته أخرى. ومن هذا المنطلق فهي (المنصات الاعلامية) مؤسسات عامة يجب أن توفر خدماتها للجميع دون تفضيل أو تمييز، طبقا لمعايير شفافة محددة ومعلنة، تماما مثل مؤسسات المواصلات، والنقل والمحلات التجارية. وهذا مع الأسف ليس هو الحال في الوقت الحاضر.
فالطريقة التي يتم بها انتقاء ونشر الآراء التي تعالج مشاكل المجتمع من قبل المنصات الإعلامية هي أشبه ما تكون بالعشوائية أو الاعتباطية، حيث إن اختيار ما ينشر وتوقيت نشره تتم بمعايير لا يعلمها إلا الله والراسخون في السلطة من الجهة الناشرة.
فالطريقة التي يتم بها انتقاء ونشر الآراء التي تعالج مشاكل المجتمع من قبل المنصات الإعلامية هي أشبه ما تكون بالعشوائية أو الاعتباطية
هذه ملاحظات تعكس تجربة كاتب واحد فقط، ولكن من المؤكد أن كثيرين غيره يعانون منها وأنها تقف حجر عثرة (أو بالأصح جدارا عازلا) يمنعهم من المشاركة في الحوارات والنقاشات التي تدور على الساحة العمة. الأمر الذي يؤدي بصورة مباشرة إلى الغياب، أو التهميش المتعمد لبعض الأصوات والأفكار التي قد تكون مزعجة، أو غير مرغوب فيها من طرف أو طرف آخر. وهذا يؤدي إلى خلق انطباع اصطناعي لا يعكس الواقع الحقيقي، تطغى فيه أصوات معينة وتسيطر على الفضاء الفكري والتوجيهي، وتنحت توجهات الرأي العام وفق ما يحلو لها. والنتيجة النهائية هي استمرار الدوران في هذه الحلقة المفرغة وتقويض جميع المجهودات الرامية إلى خلق جو من الانفراج يهدف إلى إثراء الحوار الوطني ويفسح الطريق أمام مشاركة الجميع بغض النظر عمن تساند أو تعارض. وهنا تكمن المشكلة!
فالواقع كما هو غالبا ما يختلف عما ينبغي أيكون، لأسباب غاية في التعقيد لا يتسع المقام هنا لشرحها. ورغم أنه قد لا تكون هناك نيات سيئة أو أسباب متعمدة لإقصاء وجهات نظر معينة، إلا أنه نفس الوقت ليس هناك دليل على وجود وعي بهذه الأزمة الصامتة، فضلا عن وجود مبادرات جادة تسعى إلى خلق فضاء مفتوح بصورة متساوية كأولوية قصوى للمواقع الموجودة حاليا على الساحة الموريتانية. ولذلك فإنه يتوجب علينا تغيير هذه الوضعية المُخيِّبة التي لها تأثير سلبي جسيم على المجتمع بشكل عام، وذوي الأفكار والآراء التي قد لا تخدم القوى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المؤثرة أو المتحكمة في البلد بشكل خاص.
لقد آن الأوان لقلب موازين الولوج إلى ميدان الحوار الوطني ووضع حد لاحتكار فضاء التعبير وجعله أكثر ديمقراطية وعدالة ومساواة وتمثيلا لجميع وجهات نظر وأفكار الموريتانيين على اختلاف توجهاتهم الفكرية والسياسية.
لقد آن الأوان لقلب موازين الولوج إلى ميدان الحوار الوطني ووضع حد لاحتكار فضاء التعبير وجعله أكثر ديمقراطية وعدالة ومساواة وتمثيلا لجميع وجهات نظر وأفكار الموريتانيين على اختلاف توجهاتهم الفكرية والسياسية
كما آن الأوان لخلق منبر يدعم ويشجع اعتناق مبادئ حرية التعبير والمصلحة العامة كمرجع وهدف بدل أن نبقى مقيدين بالخيارات المتاحة التي تقتصر على شهادة أن لا سبيل لتنمية لبلاد والنهوض إلا الانخراط في صفوف الجيش السياسي للمعارضة أو الحزب الحاكم، والمحاربة إلى جانب هذا أو ذاك.
يجب أن ندرك أن أطروحات القوى المتواجدة على الساحة ليست كلام الله وأنه يمكننا، بل يتوجب علينا كأفراد وجماعات أن نؤمن بما يخدم المصلحة العامة منها ونكفر بالبقية. كما يتوجب علينا أيضا أن ندرك أن ساحة الحوار العام ملكية عمومية تحق المشاركة فيها لمن يناصر الحكومة، أو المعارضة، أو غيرهما.
هذا تشخيص واف للداء الذي نزحف حاليا تحت وطئه. وإن كانت معرفة الداء نصف الدواء، فما هي إلا مجرد خطوة أولى طريق الوصول إليه الذي ه- في هذه الحالة- خلق فضاء مفتوح.
الحل-الفضاء المفتوح:
من الواضح أنه هناك حاجة ماسة، بل ملحة لخلق فضاء حوار فكري مفتوح أمام الجميع دون استثناء، أو قيد أو شرط كسائر المؤسسات الأخرى التي تقدم خدمات عمومية. فمؤسسات الاتصال، مثلا توفر خدماتها للجميع طبقا لمعايير وشروط تسري على الجميع. فإذا كانت خدمة الهاتف الجوال-على سبيل المثال- تقدم للبعض وتمنع عن البعض الآخر دون مبرر واضح ومقبول، فإن المؤسسة المعنية سوف تتعرض لعقوبات قانونية وربما يتم حظرها من السوق. وبالقياس فإن الخدمات الإعلامية والتوجيهية أيضا يجب أن تتيح فرصة المشاركة للجميع وفق معايير واضحة ومعلنة مسبقا.
وإدراكا منا لهذه الحاجة الملحة وسعيا لسد هذه الثغرة الجسيمة، تم إنشاء “موقع رگبت لمراح” كمنبر لحرية التعبير وخطوة متواضعة في هذا الاتجاه.